هل يجاب دعاء الغضبان؟
صالح البهلال
وقفةٌ مع تفسير قوله تعالى:
"وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ".
[يونس:11]
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فإن بعض الناس ربما لم يبالِ في الدعاء على أهله، أو ولده، أو ماله عند الغضب،
وربما استأنس بأن الدعاء عند الغضب لا يجاب؛ استدلالاً بقوله تعالى:
"وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ
لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ". [يونس:11]
فقد روي عن بعض المفسرين في الآية أنَّ الرجل إذا غضب على أهله، أو ولده،
أو ماله؛ فإنه ربما دعا عليهم دعوة لو قبلت منه لهلكوا، ولأضره ذلك غاية الضرر،
ولكن الله - سبحانه - لا يجيبها.
وهذا الاستدلال يَرِد عليه أمورٌ منها:
1 - أن (لو) كما يقول النحويون حرف امتناع لامتناع، وشرطها ملازمٌ للزمن الماضي؛
فإذا وقع بعدها مضارعٌ انصرف إلى الماضي غالباً، والمعنى هنا:
امتنع وقوع الهلاك؛ لامتناع التعجيل من الله، والواقع يدل على أن دعاء الغضبان
مستجابٌ غير ممنوع، ومن ذلك قصة جريج الراهب العفيف، وقد نادته أمُّه وهو يصلي،
فاشتغل بصلاته، فدعت عليه أمُّه، فقالت: (اللهم لا تمته حتى تريه وجوه المومسات)،
فأجاب الله دعاءها، والقصة معروفة(1)، ولا يقال: بأن هذا من الآصار على من قبلنا،
فقد جاء شرعنا بتصديقه، فقد أخرج مسلم(2) من حديث جابر - رضي الله عنه -
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم؛
لا توافقوا من الله ساعةً يُسأل فيها عطاءٌ ، فيستجيب لكم".
وكم سمعنا من حوادث مؤلمة وقعت على أناس بسبب دعوة والدٍ أو والدة في حال الغضب .
2 ـ أن قول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: (إذا غضبتَ فاسكت) (3)
يدلُّ على أنَّ الغضبانَ مُكَلَّفٌ في حال غضبه بالسكوت، فيكون حينئذٍ مؤاخذاً بالكلام،
وقد صحَّ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنَّه أمر من غضب أنْ يتلافى غضبَه
بما يُسكِّنه من أقوال وأفعال، وهذا هو عينُ التكليف له بقطع الغضب،
فكيف يقال: إنَّه غيرُ مكلَّف في حال غضبه بما يصدر منه (4).
3 - أن سياق الآية لا يؤيده، فقد خُتمت بقوله - سبحانه -:
"فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ". [يوسن:11]،
وهذا يدل على أنها واقعة في الكفار الذين يستعجلون وقوع العذاب،
والذين سبق ذكرهم في قوله - سبحانه - :
"إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آَيَاتِنَا غَافِلُونَ
أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ". [يونس:7]،
فحيث ذكر عذابهم الذي هم آيلون إليه ناسب أن يبين لهم سبب تأخير العذاب عنهم في الدنيا؛
لتكشف شبهة غرورهم، وليعلم الذين آمنوا حكمة من حكم تصرف الله في هذا الكون (5)،
وإدخال الكلام في معاني ما قبله وما بعده أولى من الخروج به عن ذلك.
4 - أنه قد دلت آيات كثيرة من القرآن على ما يشهد أن الآية في المشركين ،
ومن ذلك قوله - سبحانه -:
"وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ
أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ". [الأنفال: 32]
وقوله: "يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ". [الحج: 47]
وقوله: "فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ". [الذاريات: 59] (6)،
والقول الذي تشهد له آيات قرآنية مقدمٌ على ما عُدم ذلك.
وبناءً على هذا فينبغي ضبطُ اللسان؛ لئلا يزلَّ أو يضلَّ، وتعويدُه الخير؛ فإنه لما عُوِّد معتاد،
كما ينبغي ديمومة سؤال الله كلمةَ الحق في الرضا والغضب،
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
--------------------------------------------------------------------------------
(1) أخرجها البخاري ح (2350)، ومسلم ح ( 6672 ) .
(2) صحيح مسلم (7705).
(3) أخرجه أحمد ح ( 3448).
(4) ينظر : جامع العلوم والحكم لابن رجب (1/ 3 74).
(5) ينظر :التحرير والتنوير لابن عاشور(11/30).
(6) ينظر : المرجع السابق .